عندما يتم ذكر “الذكاء الصناعي” يتبادر إلى الأذهان على الفور الروبوتات. ولكن الصورة الأكثر ملاءمة هي صورة يانوس Janus، الإله الروماني للبدايات والتحولات والنهايات، التي تعرضه بوجهين ينظران في اتجاهين متعاكسين.

فمن جانب، هناك تغييرات إيجابية يمكن أن يجلبها الذكاء الصناعي، إذ يساعد الإنسان على تحقيق المزيد من المهام، بسرعة أكبر بكثير، عبر استخدام التكنولوجيا لتعزيز مهاراته الحالية.

كما سيمكن المختصون بالتوظيف من تحديد أفضل المرشحين بسهولة أكبر، وسيتعامل موظفو خدمة العملاء مع الاستفسارات بشكل أسرع. كما قد يستحدث الذكاء الاصطناعي وظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل، وفقا لما نشرته صحيفة “ذي إيكونميست” الأميركية.

فمن المتوقع أن يستفيد المستخدمون من الخدمات المعززة بالذكاء الصناعي مثل تقديم المقترحات المناسبة لكل شخص على حدة، فضلاً عن التغييرات الجذرية في مجالات الرعاية الصحية ووسائل النقل وغيرها من الخدمات.

عواقب أخطر وأكثر تعقيداً

في المقابل، للذكاء الاصطناعي، وجه آخر. فغالباً ما يؤدي التغيير التكنولوجي إلى البطالة، ولكن من المرجح أن يكون للذكاء الصناعي تأثير أكبر من أي شيء آخر منذ ظهور أجهزة الكمبيوتر، وربما تكون عواقبه أكثر تعقيداً حتى.

كما من المتوقع أن ينتشر بشكل أسرع من الكمبيوتر نظرا لكونه قويا وأقل كلفة نسبيا، ويمكن أن يتداخل مع كل المهن والصناعات.

ففي السنوات القليلة المقبلة، سيتعين مناقشة 3 محاور تتعلق بتبعات تعميم الذكاء الصناعي.

ويعد أول المحاور، التي يجب على الحكومات والجهات المعنية الاستعداد لها، هو: مدى التأثير على الوظائف؟

فعلى الرغم من أن الرؤساء التنفيذيين الرئيسيين يمجدون الفوائد العامة التي سوف يجلبها الذكاء الصناعي، فإن اهتمامهم الرئيسي يكمن في خفض التكاليف.

وفي هذا السياق، طلب أحد البنوك الأوروبية من Infosys، وهي شركة عالمية رائدة في مجال الخدمات التقنية والاستشارات تخدم عملاءها في أكثر من 50 بلد على مستوى العالم، أن تساعده في إيجاد طريقة لتخفيض عدد العاملين في قسم العمليات، من 50000 عامل إلى 500.

وأظهر تقرير Infosys أن الأدوات المحسنة بواسطة الذكاء الصناعي يمكن أن تساعد الموظفين في إدارات مثل خدمة العملاء والموارد البشرية.

الاستحواذ على 375 مليون وظيفة

وفي هذا السياق، يرجح معهد ماكينزي العالمي أنه بحلول عام 2030، فإن عددا من العاملين يصل إلى 375 مليون شخص، أو 14٪ من قوة العمل العالمية، قد يتم تحويل وظائفهم إلى الذكاء الصناعي، وسوف يحتاج الرؤساء إلى أن يقرروا ما إذا كانوا مستعدين لعرض سداد مقابل إعادة تدريبهم، وما إذا كانوا سيتاح لهم الوقت اللازم لذلك. تقول العديد من الشركات أنها تؤيد تطوير المهارات الجديدة للعاملين بها، ولكن ليس على حساب أصحاب الأعمال والشركات.

حماية الخصوصية

أما المحور الثاني فهو: كيف سيتم حماية الخصوصية عندما ينتشر الذكاء الصناعي.

لقد أتاحت شبكة الإنترنت بالفعل إمكانية تتبع السلوك الرقمي بالتفصيل الدقيق للأشخاص. وسيقدم الذكاء الصناعي أدوات أفضل للشركات لمراقبة سلوكيات المستهلكين والمستخدمين، سواء عبر الإنترنت أو في العالم المادي.

ويسعد المستهلكون أحيانا بالتعايش مع مسايرة هذا التتبع، بخاصة إذا نتج عنه خدمة مشخصنة أو عروض ترويجية لما يحتاجون إليه بالفعل. ولكن لابد أن الذكاء الصناعي سيتسبب في انتهاكات الخصوصية التي تعتبر صادمة. على سبيل المثال، أصبحت تقنية التعرف على الوجه متقدمة للغاية، لدرجة أنها قد تتمكن من اكتشاف التوجه الجنسي لشخص ما. وما إن تقع تلك التقنية في الأيدي الخطأ، فإنها ربما ستشن هجمات شرسة ضد المعاملة العادلة والمتساوية.

تستخدم البلدان، ذات السمعة السيئة في مجال مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان، مثل الصين، بالفعل الذكاء الصناعي لمراقبة النشاط السياسي وقمع المعارضة.

وسوف يستخدم المسؤولون عن إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم الذكاء الصناعي للتعرف على المجرمين، ولكنهم قد يتطفلون على المواطنين العاديين. ولذا فإن الوضع سيبرز الحاجة إلى قواعد جديدة لضمان التوافق في الآراء بشأن درجة المراقبة المعقولة.

المحور الثالث

ويدور المحور الثالث حول تأثير الذكاء الصناعي على المنافسة في الأعمال التجارية.

وتتنافس حاليا العديد من الشركات لتتوافر لها الأدوات التي يعززها الذكاء الصناعي. لكن يمكن لشركة تكنولوجيا أن تحقق اختراقا كبيرا في مجال الذكاء الصناعي أن تتقدم على منافسيها، وتطرد الآخرين إلى خارج نطاق الأعمال مما يقلل من المنافسة. وربما لا يحتمل حدوث ذلك في المستقبل القريب، ولكنه إذا حدث فسيكون مصدر قلق كبير.

ويُعد البيع بالتجزئة مثالا يوضح كيف يمكن للذكاء الصناعي مساعدة الشركات الكبيرة على الفوز بحصتها في السوق، والدليل على ذلك أن شركة آمازون، التي تستخدم الذكاء الصناعي على نطاق واسع، تتحكم في حوالي 40٪ من حجم التجارة عبر الإنترنت في أمريكا، مما يساعدها على بناء مميزات تنافسية، ناتجة عن مختلف تكتيكات الأعمال التجارية، مما يسمح لها بالحصول على أرباح أعلى من المتوسط تجعل من الصعب على المنافسين مواجهتها.

لكن الذكاء الصناعي سيزيد التركيز في الصناعات الأخرى أيضا، فعلى سبيل المثال، يمكن لشركة نفط أن تستخدم الذكاء الصناعي لضخ 3٪ أكثر فاعلية مما يمكنها من أن تحدد أسعارا بنسبة 3٪ أقل من أسعار منافسيها، الأمر، الذي يجبر المنافسين على الخروج من السوق، وفقا لما يقوله هيث تيري، من Goldman Sach ، وهي شركة تمويل متعددة الجنسيات تعمل في مجال الاستثمار والبنوك، والذي يعتقد أن الذكاء الصناعي لديه القدرة على تعديل التنافس التراكمي.

ولكن من المؤكد أن قيادة شركة في السنوات القادمة سوف يكون أكثر تحديا من أي وقت في الذاكرة الحية، لأن الذكاء الصناعي سيتطلب من الرؤساء إعادة التفكير في كيفية هيكلة الإدارات، وما إذا كان ينبغي عليهم بناء تقنيات استراتيجية داخليا أو تكليف شركات للقيام بذلك، وما إذا كان يمكنهم جذب المواهب الفنية التي يحتاجون إليها، وما يدينون به لموظفيهم، وكيف ينبغي عليهم موازنة مصالحهم الاستراتيجية مع خصوصية العمال. ومثلما أردى الإنترنت بعض الرؤساء، فإن أولئك الذين لا يستثمرون في الذكاء الصناعي مبكرا لضمان احتفاظهم بالقدرة التنافسية لشركتهم فسوف تتعثر شركاتهم.